لماذا يلمع الذهب وتتسارع الفضة؟ تحليل عميق للسوق

يشغل معدنا الذهب والفضة مكانة خاصة في أسواق السلع العالمية نظرًا لدورهما المزدوج كسلع صناعية وأصول استثمارية (وملاذات آمنة). يشهد سوق الذهب والفضة تقلبات متلاحقة مع تأثر الأسعار بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متنوعة، بدءًا من التضخم وأسعار الفائدة وصولًا إلى طلب الصناعات والتوترات العالمية. في هذا التحليل، سنستعرض تحليل سوق السلع للذهب والفضة، ونلقي نظرة على وضع السوق الحالي لكل منهما واتجاهاته المستقبلية المحتملة.

الذهب: المعدن الثمين في مرمى الاقتصاد والسياسة

يعتبر الذهب سلعة فريدة من نوعها، فهو ليس مجرد معدن يستخدم في المجوهرات، بل هو أيضًا أصل مالي يتحكم في نفسية دورة السوق يلجأ إليه المستثمرون لحفظ القيمة والتحوط ضد المخاطر. يتميز الذهب بندرة معروضه نسبيًا؛ حيث إن نمو إمداداته السنوية من التعدين لا يتجاوز 1.5-2% سنويًا، مما يحافظ على قيمته عبر الزمن على عكس العملات الورقية القابلة للتوسع بلا حدود.

على الصعيد الاقتصادي، يرتبط سعر الذهب عكسيًا عادةً بقوة الدولار الأمريكي وبمعدلات الفائدة. فعندما ترتفع أسعار الفائدة الأميركية مثلًا، يميل الذهب للانخفاض لأن تكلفة الفرصة البديلة لحيازته تزيد (إذ يمكن الحصول على عائد من السندات والدولار حينها). أما في فترات التضخم الجامح أو أسعار الفائدة المنخفضة، يزداد الإقبال على الذهب كوسيلة للتحوط من تآكل القوة الشرائية. وقد برز ذلك بوضوح في الأعوام الأخيرة؛ حيث أدى ارتفاع التضخم واضطرابات الاقتصاد العالمي إلى دفع الذهب نحو مستويات قياسية. في عام 2024 وحده ارتفع سعر الذهب بنحو 24%، مسجلًا أداء سنويًا استثنائيًا ومقتربًا من عتبة 3000 دولار للأوقية في مطلع عام 2025. هذا الصعود القوي عززه إقبال واسع من مختلف فئات المستثمرين، مما جعل الذهب أحد أكثر الأصول طلبًا عالميًا في تلك الفترة.

من الجانب الاستثماري والمؤسساتي، شهدنا طلبًا قياسيًا على الذهب خلال السنوات الأخيرة من عدة جهات. البنوك المركزية حول العالم أصبحت مشتريًا صافياً للذهب بكميات كبيرة، دعمًا لاحتياطياتها وتنويعًا بعيدا عن العملات الأجنبية. ففي عام 2024، قامت البنوك المركزية بشراء ما يفوق ألف طن من الذهب للعام الثالث على التوالي، وساهمت مع عودة الاستثمارات الغربية في صناديق الذهب المتداولة (ETFs) إلى رفع إجمالي الطلب العالمي على الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 4974 طنًا (بقيمة حوالي 382 مليار دولار). هذا الرقم غير مسبوق تاريخيًا ويظهر الثقة العالية بالذهب كأصل استراتيجي. كما ارتفع الطلب على السبائك والعملات الذهبية من قبل المستثمرين الأفراد في ظل المخاوف الاقتصادية.

هناك أيضًا جانب جيوسياسي مهم: فخلال أوقات عدم الاستقرار السياسي أو الأزمات العالمية، يتجه المستثمرون نحو الذهب كـملاذ آمن. على سبيل المثال، أدت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية منذ 2022 والعقوبات الاقتصادية المرافقة لها إلى زيادة اضطراب النظام المالي العالمي، مما عزز جاذبية الذهب. كذلك التوترات بين القوى الكبرى (كالولايات المتحدة والصين) أو أي اضطرابات إقليمية تدفع الذهب للارتفاع بفعل حالة عدم اليقين. هذه العوامل تفسر استمرار صعود الذهب في السنوات الأخيرة رغم التوقعات بحصول تصحيحات، حيث أثبت الذهب قدرته على الثبات وتسجيل قمم جديدة حتى مع ظهور مؤشرات لتشبع السعر.

آفاق واتجاهات الذهب

مع دخول 2026، يبقى السؤال: هل سيواصل الذهب تألقه أم يشهد تصحيحًا؟ يتوقع الخبراء تباينًا في السيناريوهات:

  • استمرار دعم العوامل الكلية: إذا استمرت معدلات التضخم العالمية أعلى من المستهدف، وظلت أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة، سيحافظ الذهب على بريقه كتحوط جذاب. أيضًا أي ركود اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة أو أوروبا سيزيد الإقبال على الذهب مع بحث المستثمرين عن الأمان.
  • دور الدولار الأمريكي: أداء الدولار سيكون حاسمًا. ضعف الدولار عادة يرفع سعر الذهب (كونه مسعر بالدولار)، والعكس صحيح. لذا مراقبة سياسات الاحتياطي الفيدرالي والتغيرات في مؤشر الدولار تساعد في توقع حركة الذهب.
  • شهية البنوك المركزية: من المتوقع أن تواصل بعض البنوك (خاصة في الأسواق الناشئة) زيادة احتياطيات الذهب لتنويع أصولها بعيدًا عن هيمنة الدولار واليورو. هذا الطلب المستمر يشكل أرضية داعمة للأسعار.
  • احتمال التصحيح الفني: رغم العوامل الإيجابية، لا يمكن استبعاد حدوث تصحيح سعري قصير الأجل إذا قرر بعض المستثمرين جني الأرباح بعد ارتفاعات كبيرة. مثل هذه التراجعات الصحية قد توفر فرصة دخ
مشاركات أقدم المقال التالي
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق
عنوان التعليق