مستقبل الاستثمار في البيتكوين: الفرص والمخاطر

 على مدار السنوات القليلة الماضية، تحول البيتكوين من فكرة هامشية في عالم التكنولوجيا إلى أحد الأصول المالية التي يتابعها المستثمرون حول العالم عن كثب. ومع دخولنا عام 2025، بات السؤال الملح هو: ما مستقبل الاستثمار في هذه العملة الرقمية؟ هل الفرص لا تزال واعدة لمزيد من الارتفاعات وتحقيق العوائد، أم أن المخاطر المحتملة تفوق ذلك وتجعل الاستثمار فيها مغامرة كبيرة؟ ومن المهم هنا الإشارة إلى أن متابعة سعر البيتكوين بالدرهم وغيرها من العملات المحلية أصبحت جزءاً أساسياً من قرارات المستثمرين في المنطقة. سنحاول فيما يلي استعراض أبرز الفرص والمخاطر التي تنتظر المستثمرين في البيتكوين.

أولاً: الفرص والإمكانات الواعدة للاستثمار في البيتكوين:

  1. أداء تاريخي قوي وعوائد جذابة: لا يمكن إنكار أن البيتكوين قدم لبعض مستثمريه عوائد استثنائية خلال العقد الماضي. فمثلاً في عام 2024 وحده ارتفع سعر البيتكوين بنسبة كبيرة تجاوزت 100% خلال العام، متفوقاً بذلك على معظم الأصول التقليدية (كأسواق الأسهم أو الذهب). بل إنه مع نهاية 2024 وبداية 2025 اخترق سعر البيتكوين حاجز 100 ألف دولار لأول مرة في تاريخه، مما رفع القيمة السوقية الإجمالية له إلى نحو 2 تريليون دولار بنهاية 2024. هذه القفزات السعرية الكبيرة تعني إمكانية تحقيق أرباح ضخمة للمستثمرين الذين يدخلون في الوقت المناسب. العديد من المؤمنين بالبيتكوين يرون أنه "ذهب رقمي" مرشح ليواصل ارتفاعه على المدى الطويل مع زيادة اعتماده وانتشار معرفته، مستندين إلى أن إجمالي المعروض منه محدود بـ21 مليون عملة فقط. هذا السيناريو التفاؤلي يعززه حقيقة أن كل دورة ارتفاع سابقة أعقبها ارتفاع في القاع السعري التالي أعلى من سابقه، ما يوحي باتجاه صعودي طويل الأجل رغم التقلبات المرحلية.
  2. الندرة وآلية التنصيف (Halving): من المزايا الفريدة للبيتكوين هي محدودية المعروض وبرمجية التنصيف التي تقلل إصدار عملات جديدة إلى النصف كل أربع سنوات تقريباً. هذه الميزة تجعل البيتكوين أصلًا انكماشياً في العرض بمرور الوقت، بخلاف العملات التقليدية التي يزداد المعروض منها باستمرار. تاريخياً، أحداث التنصيف ارتبطت بدورات صعود قوية في سعر البيتكوين. فبعد تنصيف 2012 ارتفع السعر أكثر من 50 ضعفاً عن مستواه قبله، وبعد تنصيف 2016 ارتفع بنحو 300% خلال العام التالي، وبعد تنصيف مايو 2020 ارتفع السعر من حوالى $8,800 وقتها إلى ذروة $64,000 في أبريل 2021. في أبريل 2024 حدث التنصيف الرابع لينخفض إصدار البيتكوين الجديد إلى 3.125 عملة لكل كتلة، ويعتقد محللون كثر أن ذلك سيؤدي إلى موجة صعود أخرى نتيجة نقص المعروض الجديد مقابل الطلب. وبالفعل شهدنا في أواخر 2024 قفزة البيتكوين إلى مستويات قياسية فوق 90 ألف ثم 100 ألف دولار. يتوقع البعض أن يستمر هذا الزخم في 2025، حيث توقع محللون وصول البيتكوين إلى 100 ألف دولار أو أكثر بعد تنصيف 2024 – وقد تحقق ذلك فعلاً بنهاية العام – بل ويطمح بعض المتفائلين إلى أرقام أعلى بكثير خلال النصف الثاني من العقد إذا استمر تبني المؤسسات له.
  3. تزايد التبني المؤسسي وتهيئة البنية التحتية المالية: إحدى الفرص الكبيرة تكمن في دخول المستثمرين الكبار والمؤسسات إلى سوق البيتكوين. خلال السنوات الماضية رأينا تطورات مهمة مثل إطلاق عقود البيتكوين الآجلة في بورصات رئيسية (CME) وإدراج أسهم شركات مرتبطة بالبيتكوين في الأسواق. والجديد الأبرز كان في 2024 عندما وافقت هيئة الأوراق المالية الأمريكية (SEC) على أولى صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETF)، مما أتاح للمستثمرين التقليديين التعرض للبيتكوين بسهولة عبر منتجات استثمارية منظمة. هذه الخطوة جذبت مليارات الدولارات من الأموال الجديدة؛ حيث جذبت صناديق الـETF الأمريكية أكثر من 4.5 مليار دولار تدفقات بحلول نوفمبر 2024. حتى أن شركات عملاقة مثل بلاك روك (BlackRock) أطلقت صناديق بيتكوين، وقيل إن صندوقها (IBIT) حاز مئات الآلاف من عملات البيتكوين كأصول مدارة. كما زاد اهتمام صناديق التقاعد والشركات العامة في تخصيص جزء من محافظها للبيتكوين كتحوط أو أصول احتياطية. كل هذا يعني سيولة أكبر واستقرار أعلى للسوق على المدى الطويل، وفرصة لمزيد من الطلب المؤسسي الذي قد يدفع الأسعار للصعود. أيضاً انخراط مؤسسات مالية تقليدية كمصارف كبرى في تقديم خدمات مرتبطة بالبيتكوين (مثل Fidelity التي سمحت بضمه لحسابات التقاعد 401k، وبنوك كبرى تقدم خدمات حفظ)، كلها مؤشرات إيجابية تجعل الاستثمار في البيتكوين أكثر قبولاً لدى شريحة أوسع من المستثمرين مما كان عليه الحال قبل سنوات قليلة.
  4. اعتباره تحوطًا ضد التضخم وعدم اليقين: في ظل بيئة اقتصادية تشهد طباعة كثيفة للنقود التقليدية وارتفاع معدلات التضخم في بعض الفترات، روج الكثيرون لفكرة البيتكوين كأصل تحوّطي شبيه بالذهب. الحجة أن إصدار البيتكوين محدد رياضياً ولا يمكن لأي بنك مركزي زيادته، لذا فإنه على المدى الطويل قد يحافظ على قوته الشرائية أفضل من العملات التي تنهار قيمتها مع التضخم. وبالفعل، عندما ارتفع التضخم عالمياً في 2021-2022، ظهر توجه لدى بعض المستثمرين نحو البيتكوين كملاذ بديل. ورغم أن البيانات الفعلية تظهر أن أداء البيتكوين كمضاد للتضخم متباين (حيث انخفض بقوة في 2022 رغم ارتفاع التضخم حينها بسبب تأثير رفع الفائدة)، إلا أن الفكرة الاستثمارية لا تزال قائمة وجذابة لكثيرين، خاصة في دول تعاني عملاتها من عدم استقرار. كما أن البيتكوين لا يرتبط بأداء اقتصاد دولة معينة أو شركة معينة، ما قد يجعله ملاذاً في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية أو ضعف الثقة بالحكومات. على سبيل المثال، في دول تشهد انهياراً في عملتها المحلية أو قيوداً على رأس المال (كتركيا وفنزويلا)، لجأ بعض الأفراد إلى البيتكوين للحفاظ على قيمة مدخراتهم. هذه الحالات تعزز سردية أن البيتكوين قد يكون “بوليصة تأمين” مالية ضد الأزمات، وهي سردية تجتذب شريحة من المستثمرين الباحثين عن التحوط.
  5. تطور النظام التقني والمالي المحيط بالبيتكوين: لم يعد الاستثمار في البيتكوين يعني فقط شراء العملة والاحتفاظ بها. هناك الآن منظومة متكاملة من الخدمات والتقنيات التي تعزز من قيمة الاستثمار فيه. فشبكة البرق (Lightning Network) مثلا تسمح بمعاملات بيتكوين سريعة ورخيصة، مما يفتح باب استخدامه في المدفوعات اليومية وربما يرفع الطلب عليه للاستخدام وليس فقط للادخار. أيضاً انتشرت حلول التخزين الأمين والتأمين على الأصول المشفرة، ما يقلل المخاطر العملية للحفظ. كذلك ازدهرت منتجات الإقراض والاقتراض المضمونة بالبيتكوين، بحيث يمكن للمستثمر استخدام البيتكوين كضمان للحصول على سيولة دون بيعه، وهذا يزيد من جاذبية الاحتفاظ به كأصل. أضف إلى ذلك ظهور شركات عامة تتبنى البيتكوين (مثل شركة MicroStrategy التي جعلته أصل خزانة رئيسي)، وحتى تبني بعض الدول الصغيرة له كما فعلت السلفادور. هذه التطورات تعطي انطباعاً بأن البيتكوين اكتسب قبولاً أوسع في المنظومة المالية العالمية عما كان عليه قبل سنوات، مما قد يساهم في خفض تقلبه تدريجياً وزيادة استقرار نموه.

رغم هذه الفرص المغرية، ينبغي للمستثمر إدراك أن المخاطر المحيطة بالبيتكوين مرتفعة ولا يمكن تجاهلها:

  • تقلب سعري حاد: يوصف البيتكوين بأنه شديد التقلب، حيث شهد دورات صعود وهبوط عميقة؛ ولكن الحقيقية هي أن بعد بلوغ قممٍ تاريخية عادةً ما يتبعها هبوط  لكن من المهم وضع ذلك في سياقه: هذه التراجعات الكبرى غالبًا ما تأتي بعد موجات ارتفاع ضخمة بمئات إلى آلاف بالمئة في الدورة السابقة، أي أن «الهبوط العنيف» يأتي بعد «صعود أعنف». وعلى الأطر الزمنية الأطول تقل احتمالات الخسارة تاريخيًا لمن تبنّوا نهجًا طويل الأجل، مع ضرورة التذكير بأن توقيت السوق قصير الأجل يظل صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر.
  • المخاطر التنظيمية والقانونية: حتى الآن، يختلف وضع البيتكوين القانوني من دولة لأخرى، وتبقى درجة اليقين التنظيمي غير متجانسة عالميًا. بعض الحكومات تتجه إلى تنظيمه ودمجه، وأخرى تفرض قيودًا. تؤثر القرارات التنظيمية بقوة في المعنويات والأسعار. في المقابل، ظهرت أطر تنظيمية ناضجة في مراكز رائدة مثل الإمارات (دبي عبر VARA وأبوظبي عبر ADGM) حيث أصبح التعامل القانوني بالعملات المشفَّرة ممكنًا ضمن تراخيص واضحة وضوابط امتثال، وهو ما يعزّز ثقة المستثمرين ويقلّل من ضبابية البيئة التشغيلية هناك.
  • جدل حول «القيمة الأساسية» للبيتكوين: يطرح بعض المنتقدين سؤال «القيمة الأساسية» لأن البيتكوين لا يوزّع أرباحًا ولا يولّد تدفقات نقدية، لكن المدافعين يرون أن قيمته تنبع من خصائص نقدية فريدة: ندرة مبرمجة (سقف 21 مليون)، حيادية ولا مركزية مقاومة للرقابة، وقابلية للتحقق والتسوية النهائية عبر طبقة أساسية مؤمّنة بإثبات العمل. يُنظر إلى استهلاك الطاقة كجزء من تصميم أمني يمنح الشبكة صلابةً و«تكلفة مادية» لأي محاولة هجوم، كما أن القدرة على الحفظ الذاتي (Self-Custody) تمنح المالك سيادةً على أصوله لا توفرها الأنظمة التقليدية. الخلاصة: لا تُقاس قيمة البيتكوين بمقاييس الأسهم أو السندات، بل بخصائصه النقدية وشبكته ودرجة تبنّيها. ويبقى الحكم النهائي للمستثمر في ضوء أهدافه وتحمله للمخاطر.
  • مخاطر الأمان والاحتيال: شبكة البيتكوين الأساسية لم تتعرض لاختراق يطعن في أمانها منذ انطلاقها؛ فالتحديات الأمنية تقع غالبًا في الأطراف الوسيطة (شركات ومنصّات تداول ومحافظ مُدارة) أو في إدارة المفاتيح الخاصة. لهذا من المهم التفريق بين أمان البروتوكول وبين مخاطر الجهات المركزية. الممارسة الجيدة تشمل الحفظ الذاتي (Self-Custody) عبر محافظ باردة، والنسخ الاحتياطي المنضبط لعبارات الاسترداد، وتفعيل وسائل التحقق المتعدّد. كما أن معاملات البيتكوين غير قابلة للعكس، لذا فالحذر من محاولات الاحتيال واجب.
  • مخاطر السيولة والتلاعب السوقي: تحسّنت سيولة سوق البيتكوين بوضوح مقارنة بالسنوات الأولى، خاصة مع دخول منتجات منظّمة كصناديق المؤشرات المتداولة وازدياد أحجام التداول المؤسسية، ما ضيّق هوامش التسعير ورفع جودة التنفيذ. ومع اتساع القيمة السوقية عادةً ما يتراجع تأثير التحركات الفردية للحائزين الكبار على السعر. مع ذلك، يظل السوق عرضة لتقلبات كبيرة بفعل دورة المعنويات والرافعة المالية، لذا تبقى إدارة المخاطر ضرورية.
  • منافسة العملات الرقمية الأخرى والتقنيات الجديدة: يركّز البيتكوين على دور «مالٍ رقمي» ومخزن قيمة وتسوية نهائية على طبقة أساسية بطيئة عمدًا لبلوغ أقصى درجات الأمان. البطء واستهلاك الطاقة هنا «ميزة تصميمية» ترتبط بإثبات العمل وصلابة الشبكة، وليست «عيبًا» يُراد إصلاحه. تُعالَج المدفوعات اليومية والقابلية للتوسّع عبر طبقات ثانية مثل Lightning، فيما تتنافس سلاسل أخرى على تطبيقات مختلفة كالعقود الذكية والـDeFi وغيرها—وهذه مجالات استخدام مغايرة أكثر من كونها بدائل مباشرة لوظيفة البيتكوين النقدية.

في ضوء ما سبق، كيف يمكن للمستثمر أن يتعامل بذكاء مع الاستثمار في البيتكوين؟ يجب أن يدرك جيدا ان استثمار البيتكوين هوا استثمار طويل الأمد وأرباحه خيالية . لايجب أن ينخدع بتقلبات سعرية مؤقتة مهملاً الارتفاعات الكبيرة للغاية على مدار السنوات.

في الخلاصة، البيتكوين كاستثمار يحمل إمكانات ربح عالية تقابلها مخاطر مرتفعة. الفرص تأتي من محدودية العرض وتزايد الطلب المؤسسي وانتشار القبول العام تدريجياً، بجانب سردية التحوط من التضخم والاضطرابات. أما المخاطرتكمن في تقلبات مؤقتة في السعر متبوعة بارتفاعات مرة أخرى . القرار بالاستثمار فيه يجب أن يستند إلى فهم عميق لهذه العوامل وتقييم شخصي لقدرة المستثمر على تحمل المخاطرة. قد يكون البيتكوين مناسباً لبعض المحافظ كعنصر عالي المخاطرة/عالي العائد، لكنه بالتأكيد ليس استثماراً تقليدياً. وبينما يرى البعض أنه فرصة تاريخية لتحقيق ثروة مع تبنيه المتزايد، يرى آخرون أنه صعب التداول من خلاله. وحده الوقت سيكشف أي الرؤيتين ستسود، وفي هذه الأثناء على المستثمر التحلي بالحكمة والحيطة إذا قرر خوض غمار هذا المجال الجديد.

مشاركات أقدم المقال التالي
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق
عنوان التعليق